دعوات حقوقية وقضائية لغلق سجن العقرب أحد أشهر وأسوأ قلاع التعذيب في مصر

تُمارس الانتهاكات بشكلٍ شبه يومي في مختلف سجون الجمهورية المصرية، وتزيد وطأتها وحدتها على المعتقلين في سجن العقرب الموجود بمجمع سجون طرة، حاولت المنظمة رصد جزء من تلك الانتهاكات الضخمة التي تمارس بهذا السجن لإظهار مدى الدرجة التي وصل إليها العنف الشرطي المستخدم في السجون المصرية، الذي لا تتخذ السلطات المصرية أي خطوات جادة لحله، أو مسائلة عادلة للمسؤولين عن وقوع عشرات القتلى داخل السجون المصرية.

في تستر واضح من الأجهزة القضائية المصرية على تلك الجرائم، من بينها سجن العقرب الذي احتل مساحة واسعة من بيانات الشجب والإدانة نتيجة شدة الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون، لذا بادرت مجموعة من المنظمات الحقوقية المصرية، تقدمت بدعوى قضائية دعوى رقم 39399 لسنة 70 قضاء إداري، تطالب بضرورة إغلاق سجن العقرب، وطالبت المنظمات في دعواها كلا من رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية بصفتهما، بوقف تنفيذ “القرار السلبي الصادر بالامتناع عن عدم إغلاق سجن طرة شديد الحراسة 992 المسمى (العقرب)، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها توزيع المسجونين على السجون التي تقع بالقرب من محل إقامتهم وتنفيذ الحكم بمسودته وبدون إعلان”، إلا أن السلطات لم ترد على طلبهم سواء بالرفض أو الموافقة، وهو ما يعتبر – بحسب قانونيين- قرارا سلبيا، ثم انعقدت محكمة مجلس الدولة الدائرة الأولى برئاسة المستشار “يحيى الدكروي”، الثلاثاء الماضي الموافق ٢٨ يونيو/حزيران ٢٠١٦ أولى جلسات القضية التى أقامها عدد من أهالى معتقلي العقرب، ومن المقرر انعقاد جلسة أخرى لمداولة القضية اليوم الموافق 2 أغسطس / آب 2016.

يقع العقرب، أو سجن “طرة”، شديد الحراسة المعروف بـ “جوانتانمو مصر”، وأيضًا هو آخرالسلسلة علي بعد 2 كم من بوابة منطقة سجون “طرة”، الرسمية، إلا أن وضعه مميزًا كسجن شديد الحراسة فهو محاط بسور يبلغ ارتفاعه سبعة أمتار، وبوابات مصفحة من الداخل والخارج، كما أن مكاتب الضباط تقع بالكامل خلف الحواجز والقضبان الحديدية، وقد جاء اقتراح فكرة سلسلة السجون شديدة الحراسة عقب عودة مجموعة من ضباط الشرطة من بعثة تدريبية في الولايات المتحدة الأمريكية، واعتبرتها وزارة الداخلية فكرة خلاقة، وكافية لسد ما اعتبرته عجزًا في سياستها مع الجماعات المسلحة بشكل خاص، وفي عام 1991 بدأ وزير الداخلية السابق حسن الألفي ومجموعة من مساعديه، بينهم اللواء حبيب العادلي مساعد الوزير لشؤون أمن الدولة آنذاك، في تجهيز هذه الأفكار الأمريكية ووضعها علي أولوية التنفيذ الفوري، واستغرق بناء السجن عامين ليتم الانتهاء منه في 30 مايو/آيار 1993، ينفصل كل عنبر في العقرب بشكل كامل عن باقي السجن بمجرد غلق بوابته الخارجية المصفحة فلا يتمكن المعتقلون حتي من التواصل عبر الزنازين، كما يفعل المساجين في السجون العادية، نتيجة الكميات الهائلة من الخرسانة المسلحة التي تمنع وصول الصوت.

يتكون السجن من 320 زنزانة مقسمة علي 4 عنابر أفقية تأخذ شكل الحرف H، بكل زنزانة مصباح قوته 100 وات تتحكم بها تقلبات السياسة العقابية في إدارة السجن، بحيث تستطيع الإدارة قطع المياة والإضاءة وغلق الشبابيك حسب ما تراه مناسبا. من ناحية أخرى خصص الرسم الهندسي مساحة 25 مترًا في 15 مترًا علي شكل الحرف L بغرض التريض «أحيانا»، كما تستخدم 20 زنزانة كعنابر تأديب خاصة بالمعتقلين السياسيين يمنع عنهم فيها الإضاءة وتبادل الحديث.فور الانتهاء من بناء السجن وضعت الداخلية جداول لنقل المعتقلين من سجون «ليمان واستقبال طرة وأبو زعبل» إلي السجن الجديد، حتي جمعت الداخلية قرابة 1500 معتقل من منطقة طرة القديمة وخارجها، وتم ترحيل الجميع لزنازين شديد الحراسة الجديد ليكون يوم دخولهم هو يوم الافتتاح الرسمي للعقرب يوم 26 يونيو/حزيران 1993، الذي حضره العادلي مساعد الوزير، الذي حرص علي أن يكون السجن الجديد ناجحا من حيث قدرته علي إخفاء المعتقلين، واستنطاقهم بمختلف الطرق.

وكان ضباط أمن الدولة كانوا يسمحون حتى عام 2011، أي بعد ثورة 25 يناير، بوجود خلوة شرعية لكل المحبوسين في السجن، وكانت زيارتهم تتم دون رقابة، إلا أنه في نوفمبر 2011، ألغى اللواء “محمد نجيب”، مساعد الوزير لقطاع السجون وقتها، أي مميزات للجماعات في السجون”، مشيرة إلى أن مصلحة السجون سارعت إلى ابتكار النظام الجديد للغرف الزجاجية، خلال الزيارة، بمجرد دخول عدد من قيادات جماعة الإخوان للسجون، ويتم التحدث عبر التليفونات أثناء الزيارة، لمنع صدور تكليفات من داخل السجون إلى خارجها، لأن تلك الزيارات تكون في وجود ضباط، ووفقا للقانون، ويتم تنفيذها على جميع الرموز.

وقد رصدت منظمة “هيومن رايتس مونيتور”، تعرض المعتقلين إلى معاملاتٍ قاسية، من الضرب المبرح والتعذيب لمحاولة انتزاع اعترافات والذي راح ضحيته ما يزيد عن 200 معتقل منذ أحداث 30 يونيو\حزيران من العام 2013، بالإضافة إلى احتجاز في أماكن غير آدمية، والإهمال الطبي وتردي الخدمات الصحية المقدمة داخل السجون للمعتقلين المرضى بأمراض مختلفة كالقلب والسرطان وأمراض أخرى خطيرة ما تسب في وقوع عشرات الموتى ضحية لذلك، إذ وصلت عدة استغاثات متكررة للمنظمة من داخل سجن العقرب ومن أهالي المعتقلين بالسجن تروي تفاصيل الانتهاكات الممارسة، فقص أحد المعتقلين في عنبر H1 بسجن العقرب أنهم يتعرضون بشكلٍ دوري للضرب المبرح بالعصي والهروات كما يتعرضون للصعق المتكرر بالكهرباء في مختلف أنحاء الجسد ويزيد في الأماكن الحساسة، بالإضافة إلى تعليق معظم المعتقلين لساعات طويلة في الحائط وربما تتجاوز تلك المدة عدة أيام.
وكانت المادة 126 من قانون العقوبات المصري تنص على أنّ “كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر ، وإذا مات المجنى عليه يحكم بالعقوبة المقرر للقتل العمد”

كما تتصاعد وتيرة الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون الجنائيون ومن هم على خلفية سياسية بالأخص أثناء فترات اعتقالهم داخل السجون المصرية، حيث رصدت المنظمة تعرض المعتقلين إلى معاملاتٍ قاسية، فضلًا عن الضرب المبرح والتعذيب الممارس بحقهم، لمحاولة انتزاع اعترافات، أو لمجرد أهواء شخصية لدى ضباط الشرطة للانتقام منهم على خلفية معارضتهم للسلطة، وذلك بخلاف حالات وفاة لمعتقلين آخرين لديهم أمراض كالقلب والسرطان وأمراض أخرى خطيرة وسط إهمال طبي ورفض إدارات السجون علاجهم، وتردي الخدمات الصحية المقدمة داخل السجون، وكذلك تزايد العنف الشرطي المستخدم بحقهم، وذلك دون مسائلة عادلة لإيٍ من الضالعين في تلك الانتهاكات، وتتنوع أشكال المعاناة داخل السجون بين ما يطلق عليها “حفلات” التعذيب، والإكراه على الاعتراف بتهمة ملفقة، ووضع المعتقلين السياسيين في زنازين مشتركة مع السجناء الجنائيين، والحبس الانفرادي، ومنع الزيارة وإدخال الطعام والأدوية، فتمنع إدارة السجن لفترات طويلة دخول الأدوية والطعام والشراب والملابس للمعتقلين، ومن يعترض على ذلك تلغى عنه الزيارات ويعاقب بالضرب والحبس الانفرادي لأيام أو أسابيع عدة

وقد اشتهر “العقرب”، منذ افتتاحه بأنه من أسوأ سجون مصر خصوصا في فترة التسعينيات؛ فقد شهد اعتقال أبرز وجوه التيار الإسلامي التي حوكمت في هذه الفترة، كما شهد سقوط العديد من القتلى والمصابين بعاهات مستديمة نتيجة أساليب التعذيب البشعة التي استخدمت فيه عن طريق مصلحة السجون، وبإشراف جهاز مباحث أمن الدولة، وتحت سمع وبصر نيابة أمن الدولة العليا والنيابة العسكرية، وكانت تقارير حقوقية قد ذكرت أنه توفي عدد كبير من المعتقلين في السجون خلال الفترة الماضية، أشهرهم وضمت قائمة وفيات سجن “العقرب” فريد إسماعيل (58 عاما) العضو البارز في حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان) المنحل بقرار قضائي، الذي رفضت سلطات السجن نقله إلى مستشفى خارجي لتلقي العلاج، رغم إصابته بمضاعفات مرض السكري وفيروس “سي”، وحجزه انفرادياً عدة أشهر، ومنع الدواء عنه، مما تسبب في دخوله في غيبوبة كبدية، ونزيف، وجلطة بالمخ، ثم وفاته في 13 مايو/أيار 2015.

وضمن القائمة عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، والقياديان السابقان بجماعة الجهاد الإسلامي مرجان سالم ونبيل المغربي، وعضو جماعة الإخوان عماد حسن، وجميعهم توفوا في الفترة بين مايو/أيار وسبتمبر/أيلول 2015، والبرلماني الفلاحجي، والدكتور طارق الغندور، الذي كان يعاني من مرض الكبد، وزكي أبو المجد، الذي كان مصابا بالسكري، وأبو بكر القاضي، الذي عانى من مرض السرطان بسبب الإهمال، ثم القيادي الجهادي نبيل المغربي، والقيادي الجهادي مرجان سالم.

فيما قضت القواعد النموذجية لمُعاملة السجناء في حق الخدمات الطبية بالآتي “22. يجب أن توفر في كل سجن خدمات طبيب مؤهل واحد على الأقل، يكون على بعض الإلمام بالطب النفسي. وينبغي أن يتم تنظيم الخدمات الطبية على نحو وثيق الصلة بإدارة الصحة العامة المحلية أو الوطنية. كما يجب أن تشتمل على فرع للطب النفسي تشخيص بغية حالات الشذوذ العقلي وعلاجها عند الضرورة.(2) أما السجناء الذين يتطلبون عناية متخصصة فينقلون إلى سجون متخصصة أو إلى مستشفيات مدنية. ومن الواجب، حين تتوفر في السجن خدمات العلاج التي تقدمها المستشفيات، أن تكون معداتها وأدواتها والمنتجات الصيدلانية التي تزود بها وافية بغرض توفير الرعاية والمعالجة الطبية اللازمة للسجناء المرضي، وأن تضم جهازا من الموظفين ذوى التأهيل المهني المناسب”.

أما المستشفى: فبها 3 أسرة فقط، وطبيب واحد، وهو إما متغيبا أو يأتي بعد الظهر، وممرضين اثنين، وبها صيدلية يتم من خلالها توزيع العلاج بحد أقصى 6 أقراص، مهما كان المرض مزمناً، ورغم وجود جدول معلق على الحائط يعلن عن وجود استشاريين في أغلب التخصصات طوال أيام الأسبوع، إلا أنه من باب “ذر الرماد في العيون”، ورغم كل هذا فإن كل من يصل للمستشفى لا يصلها إلا بشق الأنفس، وبعد أيام وأحيانا أسابيع من المطالبة، جانب آخر من معاناة السجناء هو السماح بإدخال الأدوية. ففي كثير من الأحيان يتم رفض إدخال أنواع معينة من الأدوية، أو يتم إرسالها إلى الصيدلية داخل السجن، لكن ليس هناك ضمانة في أن السجين سوف يستلمها بالداخل، ويظل المعتقل يعاني من الاهمال الطبي خاصة إن كان مرضًا مزمنا فلا تلتفت له إدارة السجن، بل الأسوأ من ذلك يتم منع عنه الدواء ليلاحقه الموت البطئ، دون تحقيق أو مسائلة في ظل تخاذل جهات التحقيق وعو مايعد مشاركة فعلية في تلك الجرائم الممنهجة بحق المعتقلين

وأضاف المعتقل في روايته في وقت سابق للمنظمة أن عدد كبير منهم تم اغتصابه بشكلٍ كامل وليس مجرد تحرش جنسي من قبل ضباط وعساكر السجن، وتابع حديثه لمندوب المنظمة قائلًا: “عدد منا أجبروه على الجلوس على أربع كالحيوانات وقاموا بوضع العصي في دبر المعتقلين كنوعٍ جديدٍ من الإذلال والتنكيل بنا”، وشدد على أن أنواع التعذيب المختلفة تقتلهم بالبطيء يوميًا، كما لفت الحديث إلى أن عدد كبير من الموجودين داخل السجن مصابين بأمراض مزمنة تستوجب إجراء جراحات وعمليات عاجلة ومتابعة طبية خاصة إلا أن إدارة السجن تتعنت في إجراء تلك العمليات، وأشار إلى أن أحد المعتقلين يحتاج بشكلٍ عاجل إلى إجراء عملية أسترة بالقلب وتم منعها دون سبب واضح، ما يشكل خطرًا على حياته، كما يتم أيضًا تهديدهم باغتصاب زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم أمام أعينهم أثناء الزيارة شبه الدورية.

لنتهكت السلطات المصرية مواد الدستور المصري وكذلك القوانين الدولية في ضرورة حماية المحتجزين الحفاظ على أمنهم وسلامتهم المنصوص عليها في المادة 40 من دستورها، بأن “كل من يُقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته بأي قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحيًا، تلتزم الدولة بتوفيرها، ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون ولا تسقط بالتقادم” وكذلك المادة (42) والتي تشير إلى أنّ “كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأى قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذائه بدنيا أو معنويا، كما لا يجوز حجزه أو حبسه فى غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون، وكل قول يثبت أنه صدر من مواطن تحت وطئة شىء مما تقدم أو التهديد بشئ منه يهدر ولا يعود عليه”، وكذلك مواد اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها مصر في 1986 والتي تجرم كل أنواع التعذيب وكذلك المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على انه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة” كما لا يجوز انتزاع أية اعترافات بالإكراه أو استخدامها كأدلة أثناء التحقيقات, وهو ما دأبت السلطات المصرية على استخدامه كوسيلة لإدانة الضحايا”

ويشهد سجن العقرب انتهاكات منهجية تجعله السجن الأكثر سوءًا في مصر بجانب السمعة السيئة تاريخيًا، فمن الإهمال الطبي والإفراط في العقوبات التأديبية مثل الحبس الانفرادي الممتد إلى منع زيارات الأهل، والذي يؤدى إلى انتهاكات مختلفة لأنها تعتبر المنفذ الوحيد إلى حصول السجناء على الأدوية وملابس الشتاء في أثناء البرد القارس والطعام الملائم أو الإعاشة. ورغم وضوح لائحة السجون في حق السجناء في الزيارة لمدة ٦٠ دقيقة مرة واحدة أسبوعيًّا في حالة السجناء الاحتياطي، ومرتين شهريًّا في حالة السجناء المحكوم عليهم، إلا أن إدارة سجن العقرب تتجاهل ذلك الحق وتسمح بالزيارات وقتما تشاء وتمنعها وقتما تشاء، وقد منعت الزيارات بالفعل لفترات تصل إلى شهرين متتاليين، والزيارة فهي نوعان: زيارة المحامي، وهي الوسيلة الوحيدة للتواصل مع المحامين ولا تزيد عن 4 دقائق. أما زيارة الأهل فهي تتم عبر حاجز زجاجي، وجهازين هاتف لتسجيل كل الأسرار العائلية، واعتقال كل اسم يذكر فيها، ويرفضها أغلب المعتقلين حفاظاً على أسرهم وعلى خصوصياتهم. ما يجعل العقرب مكانًا لتدمير السجناء.

كما أن الزيارة في سجن العقرب تتم عن طريق وجود حائل زجاجي بين السجين وأهله وتتم عن طريق سماعات تليفون موجودة على الجانبين، وبالرغم من عدم وجود نص صريح يمنع أن تتم الزيارات بهذا الشكل إلا أن عدم السماح بالاتصال الجسدي المباشر بين السجناء وأسرهم يفرغ هذه الزيارات من الهدف المرجو منها، وهو احتفاظ السجناء بعلاقاتهم بأسرهم وأصدقائهم، وذلك لأن هؤلاء السجناء سيعودون إلى حياتهم خارج السجن بعد قضاء فترة العقوبة وبالتالي لا بد من تقليل الفوارق إلى أقصى حد ممكن بين حياة السجن والحياة في العالم الخارجي لتسهيل عملية إعادة اندماجهم في المجتمع بعد خروجهم من السجن، وقد ذكرت المادة رقم ٥١ من “التقرير العام الثاني بشأن أنشطة اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب”، أنه لاينبغي فرض أي قيود على اتصال السجين بأسرته وأصدقائه وبالعالم الخارجي إلا بناء على اعتبارات أمنية ذات أهمية قصوى أو ذات صلة بالموارد” فيما قد أجمعت الشهادات أنه حين يسمح بالزيارة، تضع إدارة السجن عقبات كثيرة أمام الزيارة.

وفي وصفه للزنازين قال أحد الصحفيين “كتل ثلج في الشتاء وجمر ملتهب في الصيف.. تشعر كأن الحر والصهد يخرج من كل مكان “دولاب مشتعل”، الغرفة عبارة عن حيطان خراسانية مركبة والباب حديدي فولاذي عليه “كالون خزنة” لإحكام الغلق خلف الزنزانة، تريض مثل قفص القرود تشتعل به الشمس فتشتعل الغرفة علي صاحبها من شدة الحر، وأمام الغرفة لا يوجد أية فتحات فتشعر كأنك تعيش في علبة سردين مع الظلام الدامس وشدة الجوع والعطش وصيحات الرعب التي تشيب لها الولدان مع نهاية مفتوحة لا تعلم آخرها وحرمان من أهلك وأولادك”، ويحدد الدستور المصري بالمواد ٥٥، ٥٦ السياسة العقابية الواجبة الاتباع بالسجون المصرية لتحقيق الهدف المرجو من وجود السجون، كونها بالأساس دار إصلاح وتأهيل وليست أماكن لامتهان الكرامة. جاء بالمادة ٥٦ منه أن السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر. وينظم القانون أحكام إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم بعد الإفراج عنهم.

وقد شهد سجن العقرب في منتصف شهر فبراير ٢٠١٦ إضرابًا عن الطعام بدأه مجموعة من السجناء للمطالبة بحقوقهم التي يكفلها لهم القانون المصري ولإتاحة الفرصة لذويهم لزيارتهم وتحسين ظروفهم المعيشية، فبالنسبة لالمطبخ: فهو المكان الذي يتم فيه إعداد الطعام، الذي لا يكون إلا أصنافا محدودة، هي: الفول المملوء بالسوس، والعدس، إضافة إلى طبيخ الباذنجان، بجانب ذلك فهم محرومون من طعام الزيارات التي تحضره الأسر، كما أن إدارة السجن تتركهم لأيام عديدة دون طعام، بالإضافة إلى إدخال طعام غير آدمي دون ملح بعد عدة أيام من تجويع المعتقلين وحرمانهم من تناول الطعام، الأمر الذي أثر على صحة عدد من المعتقلين المرضى، وعانى غيرهم من من آلالام العظام والأسنان لندرة الملح، أما عن المصقف: (الكانتين) فهو بقالة بها بعض المأكولات، ومستلزمات النظافة، إلا أن منتجاته يتم بيعها بأسعار تزيد 50% عن أسعار الخارج، وتذهب أرباحه مباشرة في الذمة المالية لإدارة السجن.

وترتبط الزيارة بإدخال الطعام و المياه و الملابس إلى السجناء. وقد اهتم قانون تنظيم السجون ولائحته التنفيذية بهذا الأمر ولكن الحد الأدنى المنصوص عليه بهما لا يتم تطبيقه. فلائحة تنظيم السجون، التي جاءت لتفسير القانون قد أُفرد بها ٣٦ مادة توضح واجبات ومسؤوليات طبيب السجن تبدأ من المادة رقم ٢٤ وتنتهي بالمادة رقم ٥٩، تلك الواجبات والمسؤوليات التي من بينها مراقبة صلاحية الأغذية والملابس والمفروشات المخصصة للمسجونين، وكفايتها وملاحظة نظافة الورش وعنابر النوم وجميع أماكن السجن. كما أن لائحة السجون قد نصت فى مادتها ٨٣ على حق المسجونين احتياطيًّا في الحصول على أثاث لغرفته ومنها سرير وبطانية للشتاء، وقد نصت القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء في القاعدة رقم ٢٢ على حق السجناء في الحصول على وجبة غذائية متكاملة، نفس الشئ أكدت عليه القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء والتي كانت حريصة في القاعدتين ١٩ ، ٢٠ على النص على ضرورة توفير أَسِّرة للمساجين وثياب نظيفة ووجبات طعام ذات قيمة غذائية كافية للحفاظ على صحة السجين وقواه ولا بد أن يكون هذا الطعام جيد الإعداد والتقديم. كما كانت حريصة على النص على ضرورة أن تتوفر للسجين المياه الصالحة للشرب كلما احتاج إليها.

وتؤكد منظمة “هيومن رايتس مونيتور”، إنّ استهتار السلطات الأمنية بمصر بحياة المواطنين وقتلهم بشتى الطرق والوسائل، والتذرع بأسباب واهية غير واقعية وغير قانونية، أثناء وجودهم بحوزتها يدل على عدم إحترامهم لآدمية المواطنين المصريين، كما أن زيادة وتيرة التعذيب بكافة مقار الإحتجاز يُزيد من تفاقم أزمة تعذيب المواطنين الأمر الذي بات ممنهجًا وأزداد بصورة مروعة حتى باتت السلطات المصرية هي المنتهك الأول لحقوق المواطن بدلًا من أن تكون حامية لحقوقه وحياته، في مخالفة صريحة للمادة 52 من الدستور المصري التي تجرم التعذيب بحميع صوره وأشكاله وتعد هذه جريمة لا تسقط بالتقادم. وقد انتهكت السلطات المصرية أيضًا مواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في الفقرة الأولى من المادة السادسة والتي تنص على أن الحق في الحياة حق مقدس لا يجوز انتهاكه لأي سبب من الاسباب والتي أكدت نصًا أن :”الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا”.

وتتحفظ المنظمة على جميع الانتهاكات التي تتم بحق المعتقلين بالعقرب خاصة سجناء الرأي والسجناء السياسيين، كما تطالب السلطات المصرية بالالتزام بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي تنص مادته الثانية على “تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بأن تضمن جعل ممارسة الحقوق المنصوص عليها في هذا العهد بريئة من أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب”، كما تعبر عن تضامنها الكامل مع دعوات غلق العقرب الذي بات يشكل أحد قلاع التعذيب ومقار الاحتجاز غير الآدمية في مصر.

التعليقات