أبرز خروج الجاسوس الإسرائيلي من السجون المصرية في إطار صفقة تبادل بين تل أبيب والقاهرة وتصريحاته التي أدلى بها عقب الإفراج عنه تفرقة واضحة في تعامل إدارات السجون مع المحتجزين لديها، حيث أبرز ذلك أن التعامل في السجون يتم حسب أهواء ومكاييل مختلفة وليس سيرا على قوانين وبنود القوانين المصرية الداخلية أو المعاهدات الدولية والإقليمية.
كانت السلطات المصرية قد أفرجت الخميس الماضي الموافق 10 ديسمبر/كانون الأول عن الجاسوس الإسرائيلي عودة الترابين المعتقل لديها منذ 15 عامًا، والذي أدين بتهمة الخيانة العظمى للوطن بالتجسس لصالح إسرائيل، وقال ترابين عقب خروجه أنه احتجز في ظروف تشبه ظروف اعتقال الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك من حيث التدليل، وقال في مقابلة مع القناة الإسرائيلية الثانية أن إدارة السجون في مصر كانت تستجيب لكل طلباته لأنه إسرائيلي، وأنه كان يتمتع بظروف اعتقال تفضيلية مقارنةً بغيره، ولفت إلى تزويد غرفته داخل السجن بثلاجة ومحتويات وأجهزة تنعدم في زنازين بقية السجناء.
أكد في تصريحاته على ما يشير إليه الائتلاف العالمي للحريات والحقوق أن هذا التعامل هو غير سائد في السجون المصرية وأنه هو والرئيس المصري المخلوع إبان ثورة يناير 2011 محمد حسني مبارك هما فقط من حظيا به، حيث تابع قائلًا: “لقد كانوا يعاملونني بمنتهى الاحترام والحساسية”، ونوه إلى ملاحظته المعاملة البالغة القسوة التي كانت تتعامل بها إدارات السجون المصرية مع المعتقلين المصريين.
كما كانت مصادر مسؤولة في الدولة المصرية قد أدلت بتصريحات لعدد من الصحف مشيرةً إلى إخطار السجون المصرية الجهات السيادية بقضاء ترابين مدة العقوبة عقب مراجعة إدارة شؤون المسجونين، فيما كانت النيابة العامة تتابع صحة الإفراج، وأوضحت تلك المصادر أن ترابين استقر في سجن ليمان طرة (جنوب القاهرة)، منذ عام 2000، بعد تنقله خلال فترة التحقيق التي تلت اعتقاله واستمرت قرابة العام بين سجون بورسعيد المركزي، والإسكندرية.
وهنا يقوم الائتلاف بتفنيد بعض النقاط حول قصة ترابين لإيضاح التفرقة الكبيرة التي مارستها السلطات المصرية في التعامل مع المحتجزين لديها، بدايةً سيقوم الائتلاف بشرح آليات التعامل مع مبارك داخل السجن والتي تحدث عنها ترابين أنها كانت تفضيلية لم يعامل بها إلا هو ومبارك، ثم يسرد الائتلاف آليات التعامل الحالية مع المعتقلين في السجون المصرية بشكلٍ عام، حيث لا تسمح سطور التقرير لذكر أمثلة توضح الأضرار البالغة التي لحقت بآلاف المعتقلين السياسيين والتي وصلت إلى القتل.
كما يقوم الائتلاف كذلك بتسليط الضوء على سجن ليمان طره الذي قضى فيه ترابين نحو 14 عامًا من مدة حبسه، ويقارن بين المعاملة الحالية مع المعتقلين داخله والأخرى التي حظى بها ترابين، ثم يتحدث الائتلاف عن التصريحات التي أدلى بها مسؤولون حول اهتمام عدد من المؤسسات المصرية بالإفراج عن ترابين بمجرد قضاء فترة حبسه ويسرد على النقيض استمرارها في حبس المئات من المعارضين بشكل غير قانوني.
قبل ذلك ينوه الائتلاف أنه لا يدين آليات تعامل السجن بشكل جيد مع ترابين ومبارك، فهي من حقوق المسجونين التي وردت في وثيقة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي أوصى باعتمادها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في جنيف عام 1955، فيما أقر تلك الوثيقة المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراريه 663 جيم (د-24) المؤرخ في 31 يوليو/تموز 1957 و 2076 (د-62) المؤرخ في 13 مايو/ أيار 1977، كما أكدتها غيرها من المواثيق الدولية والإقليمية والتي تحرص على أن يلقى كل السجناء معاملة تضمن ما يلزم من الاحترام لكرامتهم المتأصلة وقيمتهم كبشر.
فيما يُذّكِر الائتلاف بأن وثيقة المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء التي اعتمدت ونشرت على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 45/111 المؤرخ في 14 كانون الأول/ديسمبر 1990، أوردت في المادة الثانية أنه لا يجوز التمييز بين السجناء على أساس العنصر أو اللون، أو الجنس أو اللغة أو الدين، أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد أو أي وضع آخر، وهذا الأمر خالفته السلطات المصرية بشكلٍ واضح في انتقائها الأشخاص التي تتعامل معهم بشكلٍ جيد.
معاملة تفضيلية لمبارك وترابين
ترابين قال أنه احتجز في ظروف تشبه ظروف اعتقال الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك من حيث التدليل، فعن التدليل الذي لقاه ترابين فقد أوضح بعضه في تصريحاته التي سبق وذكرناها، أما عن مبارك فكان أحد المسجونين السابقين بسجن طرة قد أكد عقب الإفراج عنه أنه كان يعمل خادمًا لمبارك خلال مدة حبسه معه بنفس السجن، لفت إلى أن المعاملة التي كان يلقاها مبارك ونجليه ورموز نظامه أشبه بكونهم داخل قصر رئاسي ثاني لا سجن، مشيرًا إلى أن مبارك كان يمتلك ثلاثة أجهزة محمول داخل السجن.
وأوضح المسجون السابق في تصريحات صحفية أن معظم المساجين ذوي النفوذ من رجال الأعمال والوزراء والأغنياء لدى كل منهم خادم من المسجونين أو عسكري من السجن، ويعمل طيلة الوقت على خدمته ومرافقته فى كل مكان يذهب إليه ليحمل له متعلقاته ويقوم بإنهاء أي أمور خاصة به وشراء مستلزماته، وكذا صنع الشاي والقهوة وتنظيف غرفة السجين وتنظيم الفراش الخاص به ونقل ملابسه إلى المغسلة واستعادتها وتنظيف الحمام، كما يعمل كمرسال بينه وبين الضباط أو إدارة السجن بينما يحصل من السجين الذي يخدمه على مبلغ مالي كل شهر.
فيما أكد أن جمال مبارك كان يجلس بهيبة كبيرة ويضع قدم على الأخرى في وجه مأمور السجن أو رئيس المباحث، وحتى مدير المصلحة أو ظباط التفتيش، وأنه كان يملك وسائل ترفيهية هو وشقيقه كلعب التنس أو الشطرنج، حتى أن وقت خروجه للحديقة يتم منع أي مسجون من الخروج لها، ويتم تفتيش المسجونين ذاتيًا حال اقترابهم من المشفى الموجود به مبارك، وأوضح أن زوجة مبارك حينما كانت تأتي للزيارة كان يرافقها مأمور السجن ورئيس المباحث بأنفسهم، وكانا كثيرًا ما يتهاونا معهم في التفتيش، ولفت إلى أن حفيدة مبارك كانت تحمل جهاز أيباد وحينما رفضت تركه تركها المأمور تدخل به الزيارة، هذا فضلًا عن عدم تفتيش ما تأتي الأسرة به في الزيارة.
كما لفت إلى أن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي كان يعامل على أنه وزير، وكل الموجودين بالسجن كانوا ينادونه بألقاب التعظيم ويعطوه التحية العسكرية حال مقابلته، وكانت طلباته في السجن أشبه الأوامر التي يجب تنفيذها، حتى أن زياراته كانت تتم في غرفة مأمور السجن أو نائب المأمور ليس كباقي المساجين في المكان المخصص للزيارة، وأوضح أن بعض رموز نظام مبارك المسجونين معه كانوا يملكون أكثر من ثلاجة في زنازينهم واحدة للحلوى وأخرى للمياه وثالثة للطعام، هذا غير امتلاكهم لهواتف نقالة.
كيف يُعامل المعتقلون داخل السجون؟
أما عن معاملة المعتقلين داخل السجون الذين يتجاوز عددهم نحو 50 ألفًا –بحسب تقارير- فهي أبشعها، فقد أجرى باحثوا الائتلاف العديد من المقابلات مع أسر معتقلين ومعتقلين سابقين في عدد من السجون وأقسام الشرطة المصرية، ورصد الائتلاف تزايد العنف الشرطي المستخدم بحقهم، وذلك دون مسائلة عادلة لإيٍ من الضالعين في تلك الانتهاكات، حيث يتعرض المعتقلين إلى معاملاتٍ قاسية، فضلًا عن الضرب المبرح والتعذيب الممارس بحقهم، وتعرض مئات المعتقلين للصعق بالكهرباء والتجريد من الملابس والمتعلقات الشخصية، والإهانة المتعمدة بالسب والشتم، كما رصد الائتلاف تعرض عشرات المعتقلين للاعتداء الجنسي لمحاولة انتزاع اعترافات، أو لمجرد أهواء شخصية لدى ضباط الشرطة.
أوقعت تلك الانتهاكات قتلى كثر بسبب ذلك التعذيب، هذا بخلاف وفاة عشرات المعتقلين نتاج الإهمال الطبي، وتجاوزت الوفيات داخل السجون المصرية خلال العامين الماضيين 350 شخصًا، كما تبين للائتلاف عدم تقديم إدارات السجون الرعاية الطبية للمرضى من المعتقلين الذين يعانون من أمراض كالقلب والسرطان والضغط والسكري والكبد وأمراض أخرى خطيرة، وكذلك ذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين، حيث يُمنع تقديم الدواء لهم كما ترفض إدارات السجون علاجهم، بالإضافة إلى منع التريض وإدخال الأغطية والكتب للطلبة المعتقلين، وكذلك منع طعام الزيارات التي تحضره أسر المعتقلين مع تقديم إدارة السجن لطعام سيء وبكميات قليلة بشكل متعمد لإجبار المعتقلين على عدم تناوله.
فيما وصل تكدس المعتقلين نسبة ضخمة للغاية، حيث قال تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان التابع للدولة أن نسبة التكدس وصلت 400% في أقسام الشرطة، و160% في السجون، وهذا الأمر مع تردي الأوضاع الصحية والامتناع عن تقديم الرعاية الإنسانية للمعتقلين ورفض تقديم الخدمات الأساسية لهم تسبب في إصابة عدد كبير من المعتقلين بأمراض كالجرب والأمراض الجلدية، كما تسببت في تردي صحة بعض المرضى الذين يوجدون بالآلاف داخل السجون، فيما توثقت المنظمة من تردي الخدمات الصحية المقدمة داخل السجون، كما تبينت من سوء الخدمات القليلة التي تقدم لهم من مياه وطعام ودواء الذي يُمنع في غالب الأحيان.
أما عن سجن طرة الذي لاقى فيه ترابين ومبارك ورموز نظامه معاملة تفضيلية، فهو عبارة عن مجمع سجون طرة يضم سجن المزرعة، وليمان طرة، وسجن استقبال طرة، ومحكوم طرة، وسجن طرة شديد الحراسة المعروف باسم سجن العقرب، وقد رصد الائتلاف على مدار العامين الماضيين تعرض المعتقلين السياسيين داخل هذا السجن للعديد من التجاوزات، حيث رصد الائتلاف قيام إدارة سجن طرة بالتعدي بالضرب على المعتقلين داخل سجن استقبال طرة وطرة البلد، كما قامت إدارة السجن بحرق ملابس وأغطية عشرات المعتقلين بعد سحبها منهم، كما منعت إدارة هذا السجن بالتحديد خروج المعتقلين للتريض، ومنعت كذلك إدخال الأطعمة والكتب لهم، كما اشتكى أهالي المعتقلين بالسجن من تعرضهم للمضايقات والإهانة المتعمدة بالسب وأحيانًا بالتعدي بالضرب أثناء زيارة ذويهم.
تناقض في إنهاء إجراءات الإفراج
فيما يمكث أكثر من 50 ألف معتقل سياسي في السجون المصرية، مئات منهم انقضت مدة حبسهم الاحتياطي القانونية أي تجاوزت فترات حبسهم فترة العامين ومازالوا معتقلين، حيث يتم تمديد حبسهم بشكل غير قانوني دون أن يتم إدانتهم في القضايا المتهمين فيها، يصادف في نفس الوقت خروج ترابين بعد قضاء مدة حبسه بالتو واللحظة، حيث تتابع المؤسسات المختلفة صحة الإجراءات التي تتم لضمان خروجه ومن بينها النيابة العامة التي تمتليء أدراج مكاتبها بآلاف الشكاوى من أهالي ومحامي المعتقلين الذين انقضت فترات حبسهم القانونية، أو قضوا مدة عقوبتهم المفروضة دون أن يتم الإفراج عنهم.
هذا دون أن ينجر الائتلاف للحديث عن آلاف الأحكام القضائية المسيسية التي صدرت بحق معتقلين ثبُتت برائتهم من التهم التي يحاكمون فيها، إلا أن القضاء المصري بمحاكمه والنيابات الخاضعة له في المحافظات المختلفة تجاهلتها لتُصدر أحكاماً قاسية وصلت إلى الإعدام والسجن المؤبد وغيرها أحكاماً عسكرية وصلت إلى السجن لعشرات السنوات والتغريم المالي بمبالغ طائلة، والذي يظهر بالطبع مدى تحيز أجهزة الدولة المختلفة من الأجهزة الأمنية إلى القضائية ضد المعارضين السياسية للنظام المصري الحالي.
التعليقات